الأستـاذ الشيخ عبدالباقي المكاشفي

          عرف التاريخ الإسلامي أناسًا وقفوا عند حدود الشريعة المحمدية فأدوا ما أمرهم الله تبارك وتعالى وانتهوا عما حرمه الله، وأعرضوا عن مفاتن الدنيا وزخارفها فزهدوا فيها واقتفوا ءاثار الرسول صلى الله عليه وسلم وتمسكوا بالشريعة وعملوا بمقتضاها.  و أحد هؤلاء الأئمة الكرام العلماء العاملون الأستاذ الإعظم و الملاذ الأفخم الولي الشهير و القطب الكبير العارف بالله سيدي الشيخ عبد الباقي عمر أحمد المكاشفي رضي الله عنه .

إسمه ونسبه :
هو الشيخ عبد الباقي بن عمر بن أحمد المكاشفي الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه وعنهم .  مالكي المذهب ، أشعري العقيدة ، قادري الطريقة ، محمدي الأخلاق ، حفظ القرآن ودرس موطإ الإمام مالك رضي الله عنه لازم الخشوع والخضوع والخوف والتذلل لله تعالى وعرف بالزهد والورع والتواضع والعفة والحياء والمروءة والسماحة والجود والشجاعة وكظم الغيظ ومداراة الخلائق و مكافأة السيئة بالحسنة والعفو عن المسيء و شكر المحسن .

أما نسبه رضي الله عنه من جهة أبيه :
هو العارف بالله تعالى الشيخ عبد الباقي ابن الشيخ الحاج عمر بن الشيخ أحمد المكاشفي ابن السيد محمد الهارب بن الشيخ علي المادح بن زيادة بن حسان الإدريسي التلمساني بن السيد آدم بن السيد أحمد بن السيد علي بن السيد محمد بن أحمد الدسوقي بن السيد موسي الطاهر بن عبد العزيز النادر بن السيد عبد الرازق الخليفة بن السيد عيسى الصوام بن السيد آدم بن عبد الحفيظ الطيار بن هارون الصادق بن سعد الخفي بن عامر الخطاف بن السيد أحمد بن السيد داود بن السيد حسن الدوري بن السيد موسى الطامع بن السيد الحسين بن أكمل بن أحمد بن السيد محمد نور بن السيد عبد الرازق بن الفضل بن السيد عبد القادر بن السيد عبد العزيز بن السيد عطاء الكريم بن السيد محمد الجواد بن السيد علي الرضا بن السيد موسى الكاظم بن السيد جعفر الصادق بن السيد محمد الباقر بن السيد علي الأصغر زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

و أما نسبه من جهة أمه :
فهو العارف بالله تعالى الشيخ عبد الباقي ابن السيدة فاطمة بنت أحمد أبو القاسم بن الضو بن البكري بن علي بن عبد الرحمن بن السيد طه بن الشيخ علي النيل بن الشيخ الهميم بن الشيخ الصادق بن السيد عبد الرحمن بن حسن معشر بن عبد النبي بن ركاب بن السيد غلام الله بن عائد بن أحمد المقبول بن السيد محمد الزيلعي بن السيد عمر بن السيد محمود بن المختار بن هاشم بن السيد سراج بن محمد بن السيد علي بن أبو القاسم بن السيد موسى بن السيد إسماعيل بن السيد موسى الكاظم بن السيد جعفر الصادق بن السيد محمد الباقر بن السيد علي الأصغر زين العابدين بن الإمام الحسين بن السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم .

مولده ونشأته :
ولد رضي الله عنه في قرية شنبلي من نواحي ريفي سنار بالسودان فجر يوم الأربعاء الرابع من شهر رجب سنة 1284 هـ الموافق 1867 ميلادية. فرحب به والده الحاج عمر وفرح به فرحًا كبيرًا و أذّن في أذنيه وسلم عليه مقبلاً يده وروي أنه قال أمام ملأ من الناس" مرحبًا بسيد أبيه " .

علمه ومكانته :
حفظ القرءان الكريم على يد أخيه الشيخ أحمد المكاشفي ، ثم اشتغل بتحصيل العلوم الشرعية.  و لقد أتقن في صغره العلوم الشرعية بإكماله لمختصر خليل المالكي باللوح و فيه إثنتي عشر ألف مسألة و كتب الشريعة و الفقه الأخرى . و إجتهد بالعبادة والمجاهدات والتعليم والإفادة فكان رضي الله عنه وقته عامرًا بذكر وطاعة ودرس وتعليم وغير ذلك من الطاعات حتى فتح الله تعالى عليه فصار يجيز في جميع طرق السادة الصوفية . و قد تنقل للدعوة والإرشاد في أنحاء السودان فسكن أولا القديم ثم انتقل إلى قرية ود أب ءامنة ثم البراقنة ثم قرية الشكينيبة  جنوب مدينة المناقل واستقر بها إلى وفاته ، وهي تبعد عن الخرطوم ما يقارب الثلاثمائة كيلومتر  جنوباً في ولاية الجزيرة .
 
زهده وأخلاقه :
كان الشيخ المكاشفي متخلقًا بالأخلاق المحمدية، متمسكا بالسنة، تسرك نظرته، وترغبك في الآخرة أفعاله، وتزهدك في الدنيا خصاله ، لا يرى لنفسه فضلاً على أحد ، ولا يمن على من أرشد ، لين العريكة ، حسن المجالسة ، جميل الملاطفة ، إذا حدث صدق ، وإذا عاهد أوفى ، وكان رضي عنه لا يقابل أحدا بما يكره ، متواضع للناس ولله ، و يكرم أهل الفضل والأقارب و يصل الجيران وذوي العاهات والبلايا وينفق عليهم بما عنده بالكثير والقليل .

كراماته :
أما كرامات الشيخ و مناقبه فكثيرة جدًا منها أنه كان رضي الله عنه يخاطب الوافدين عليه من سائر البلاد كل على حسب لهجته قبل أن يبدأ الوافد بالكلام ، ولو أردنا حصر كراماته لضاق المقال عنها.  و في طرف المسيد حفيراً عميقاً و واسعاً و قد حفرها المكاشفي بيده عام 1927 مع خواص مريديه وطلابه بغرض أن يجمع ماء المطر فيها للري والشرب و الطهارة و للبهائم .

من أقواله :
ينبغي للفقير أي الصوفي أن يكون:  أوسع الناس صدرًا ، ضحكه تبسمًا و إستفهامه تعلمًا ، مذكرًا للغافل ، لا يؤذي من يؤذيه ، ولا يخوض فيما لا يعنيه ،  قليل الأذى ، ورعًا من المحرمات ، بِشره في وجهه ، حزنه في قلبه ، مشغولاً بفكره ، مسرورًا بفقره ، لا يكشف سرًا ولا يهتك سترًا حسن الأخلاق ، لين الجانب ، طويل الصمت ، جميل النعت ، صبورا على من أساء إليه ، لا يكون عنده جحود ، أمين على الأمانة ، بعيد عن الخيانة ، خلقه الحياء ، كثير التحمل ، كثير الصلوات والصيام ، لا سبابًا ولا مغتابًا لا نمامًا ولا ذمامًا ، ولا حسودًا ولا كنودًا ، له لسان مصون وقوله موزون وقلبه محزون .

من مصنفاته :
منظومة " تعالى الرب " نظم فيها عقيدة التوحيد ، وأضاف إليها ما صارت تجمع عقائد أهل السنة ، ورد فيها على المبتدعة .
أرجوزة التوحيد : جمع فيها ما يحتاج المكلف لمعرفته من عقائد التوحيد . وقد بين في هذه المنظومة معنى الشهادتين.
ديوان المديح : للشيخ نظماً كثيراً في مدح النبي صلى الله عليه و سلم و الصالحين و قصائد النصح و الإرشاد مما يضيق المجال لحصره ، و أشهرها قصيدته ( جلّ جلاله ) .
النصائح : و هي مجموعة من النصائح أشهرها ( النصائح التسع ) وجهها الشيخ لتلاميذه و لعامة المسلمين .
التوسلات : و فيها عدد من المنظومات الصغرى و الكبرى في التوسل بسيد الخلق ، و بسند الطريق و الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين .

وفاته :
توفي رضي الله عنه في قرية الشكينيبة يوم العاشر من ذي الحجة سنة 1380هـ ـ1960عن سبع وتسعين سنة تقريبًا أمضاها في الطاعة والإرشاد والتعليم رضي الله عنه ونفعنا به ، و دفن بجوار مسجده في الشكينيبة و مقامه ظاهر يزار .